تكوين وتنظيم الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين
فبعد حرب حزيران 1967 سعي الفرع الفلسطيني لحركة القوميين العرب لايجاد اطار جبهة تضم مختلف الفصائل الوطنية الفلسطينية لأن وجودها عامل أساسي من عوامل الإنتصار ، ولان منظمة التحرير الفلسطينية بطابعها الرسمي آنذاك لم تكن تصلح لتشكيل هذا الإطار. وقد نتج عن ذلك اقامة الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين التي ضمت الي جانب هذا الفرع ، جبهة التحرير الفلسطينية ، وتنظيم أبطال العودة ، وعناصر مستقلة ، ومجموعة من الضباط الوحدويين الناصريين.
وصدر البيان السياسي الاول للجبهة في 11/12/1967. لكن مسيرة هذا التشكيل تعثرت نتيجة خلافات سياسية في وجهات النظر ، فانسحبت جبهة التحرير الفلسطينية في تشرين الاول عام 1968 وشكلت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين - القيادة العامة.
وعلي ضوء التطورات التي شهدتها منظمة التحرير الفلسطينية تخلت الجبهة الشعبية عن سعيها لإيجاد جبهة وطنية لان منطمة التحرير الفلسطينية جسدت في نظرها إطار هذه الجبهة بخطوطها العريضة.
ان هذا التطور جعل الجبهة الشعبية ، موضوعيا ، تنظيماً سياسياً محدداً ، خصوصاً بعد انصهار تنظيم أبطال العودة انصهاراً كاملاً في صفوف الفرع الفلسطيني لحركة القوميين العرب.
ومنذ ذلك بدأ العمل لتحويل الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين إلي حزب ماركسي - لينينى، ولكن عملية التحول واجهت مشكلات وخلافات داخلية ، حيث رأي عدد من أعضاء الجبهة إستحالة تحويل تنظيم برجوازي صغير إلي حزب ماركسي - لينيني ، وقد أدت تلك الخلافات إلي إنشقاق "الجبهة الديمقراطية" عن الجبهة الشعبية.
عقدت الجبهة الشعبية مؤتمرها الثاني في شباط 1969 ، وصدر عنه وثيقة " الاستراتيجية السياسية والتنظيمية" التي شكلت محطة هامة في مسيرة الجبهة وتطلعها نحو التحول الي حزب ماركسي - لينيني مقاتل. واقامت الجبهة الشعبية مدرسة لبناء الكادر الحزبي ، واصدرت مجلة الهدف التي ترأس تحريرها الشهيد غسان كنفاني عضو المكتب السياسي للجبهة.
وانعقد المؤتمر الوطني الثالث للجبهة في آذار 1972 ، وقد أقر وثيقة "مهمات المرحلة" و "النظام الداخلي الجديد" واعطي عملية التحول وبناء الحزب الثورى ، أيديولوجيا وتنظيما سياسيا ، الصدارة ، ايمانا منه بأن قدرة الثورة علي الصمود والاستمرار تتوقف على صلابة التنظيم.
وقد نص النظام الداخلي الجديد على أن المبادئ الأساسية للجبهة هي : المركزية الديمقراطية ، والقيادة الجماعية ، ووحدة الحزب ، والنقد والنقد الذاتي ، وجماهيرية الحزب ، وعلي أن كل عضو سياسي في الجبهة مقاتل , وكل سياسي مقاتل. كما حدد شروط العضوية وواجباتها وحقوقها ، ورسم الهيكل التنظيمى للحزب.
وفي نيسان 1981 عقدت الجبهة مؤتمرها الوطنى الرابع تحت شعار : "المؤتمر الرابع خطوة هامة على طريق استكمال عملية التحول لبناء الحزب الماركسي - اللينيني ، والجبهة الوطنية المتحدة ، وتصعيد الكفاح المسلح ، وحماية وجود الثورة وتعزيز مواقعها النضالية ، ودحر نهج التسوية والاستسلام ، وتعميق الروابط الكفاحية العربية والأممية" وقد ناقش المؤتمر التقارير المقدمة إليه ، وأدخل التعديلات الضرورية علي النظام الداخلي ، وانتخب لجنة مركزية جديدة انتخبت بدورها مكتبا سياسيا جديدا. وجددت انتخاب الدكتور جورج حبش أمينا عاماً للجبهة.
وأصدر المؤتمر بيانا سياسيا حدد فيه الوضع الفلسطيني والعربي والدولي ومهمات الجبهة في المرحلة القادمة ومهماتها الإستراتيجية ، والدروس المستخلصة من تجربة الثورة الفلسطينية ، وأهمها ضرورة توفر قواعد ارتكاز للثورة الفلسطينية والمرحلية في النضال الفلسطينى وضرورة النضال ضد نهج التسوية ومختلف التأثيرات التي يتركها في صفوف الجماهير.
وفي ضوء المتغيرات العديدة والكبيرة التي طرأت علي الوضع الفلسطيني والعربي والدولي منذ انعقاد المؤتمر الرابع وحتى الآن وفي ضوء الشوط الكبير الذى قطعته على طريق تحولها الى حزب ماركسي - لينيني ، فإن الجبهة تستعد لعقد مؤتمرها الخامس "1990-1991".
أهم المرتكزات السياسية:
(1) أهمية الفكر السياسي:
تبرز الجبهة أهمية الفكر السياسي ، وأهمية سلامة الخط السياسي ، ودوره في إنتصار الثورة. "إن شرطاً أساسياً من شروط النجاح هو الرؤية الواضحة للأمور ، والرؤية الواضحة للعدو ، والرؤية الواضحة لقوى الثورة ، وعلي ضوء هذه الرؤية تتحدد استراتيجية المعركة ، وبدونها يكون العمل الوطني مرتجلا".
(2) الوظيفة الامبريالية للكيان الصهيونى :
إن الهدف الرئيسي للغزوة الصهيونية كان - ولا يزال- زرع قاعدة بشرية مسلحة تستند إليها الامبريالية للوقوف في وجه حركة التحرر العربي التي يشكل انتصارها تهديداً للمصالح الأمبريالية في هذه المنطقة الحيوية من العالم. وليس صحيحاً أن الغزوة الصهيونية نتيجة إضطهاد اليهود في أوروبا ، كذلك ليس صحيحاً الفصل بينها وبين المخططات الامبريالية للمنطقة ، وفصل المعركة مع الكيان الصهيوني عن مجمل حركة الصراع الدائرة في المنطقة بين الجماهير من ناحية والامبريالية من ناحية أخرى. فهناك تلاحم استراتيجي بين "إسرائيل" والحركة الصهيونية من جهة والامبريالية العالمية من جهة أخرى.
وترفع الجبهة شعار : "لا تعايش مع الصهيونية" وتشترط زوال الكيان الصهيوني لاشادة السلام العادل والدائم في المنطقة. وتري أن جدية التصدي للامبريالية مقياس لجدية التصدى للكيان الصهيونى.
(3) موقع "الرجعية العربية" في دائرة الصراع:
تعتبر الجبهة الشعبية التناقض مع الرجعية العربية تناقضا رئيسيا لا ثانويا ، وترى أن التحديد العلمي لموقع "الرجعية العربية" كقوة من قوى الخصم في المعركة المحتدمة بين الجماهير العربية وقواها الوطنية والتقدمية من جهة وبين الامبريالية والصهيونية من جهة ثانية يتيح للثورة الفلسطينية ولفصائل حركة التحرر الوطني العربية ، فضح وتعرية مناورات ومخططات القوى الرجعية والتصدى الفاعل لها.
(4) "البرجوازية العربية" عاجزة عن إنجاز مهمة تحرير فلسطين:
أثبتت التطورات التي تتابعت في مصر بعد وفاة جمال عبد الناصر ، أن البرجوازية الوطنية الصغيرة التي تبدأ لدى تسلمها السلطة بمناهضة الامبريالية تنتقل تدريجيا ، من خلال نمو مصالحها وهى في سدة الحكم ، الى موقع التلاقي المتدرج مع الامبريالية. لذا يجب أن تكون علاقة الثورة بالبرجوازية الوطنية والانظمة التي تمثلها علاقة تحالف وصراع ، تحالف معها لانها معادية للامبريالية واسرائيل ، وتناقض معها حول استراتيجيتها في مواجهة المعركة. فهناك في الجبهة الشعبية استراتيجيتان : استراتيجية البرجوازية الصغيرة التى تطرح نظريا وتتجه عملياً نحو استراتيجية الحرب التقليدية من خلال اعادة بناء المؤسسة العسكرية اذا ما تعذر الوصول لحل سلمى.
مقابل استراتيجية الطبقة العاملة التي تطرح نظريا وتتجه عمليا نحو حرب العصابات وحرب التحرير الشعبية التي تخوضها الجماهير بقيادة الطبقة العاملة. وستتعايش هاتان الاستراتيجيتان زمنا الى ان تتغلب في نهاية الامر استراتيجية الطبقة العاملة.
وهذه النظرة إلي البرجوازية تتبناها الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين لتحمى الثورة والجماهير من تضخيم دور البرجوازية الوطني ، ولتنبه إلى الأخطاء الكبيرة إذا كانت البرجوازية علي رأس هرم التحالف الطبقى المعادي للامبريالية ، ولتؤكد في الوقت نفسه إمكان بقاء البرجوازية في الموقع الوطني عندما تكون الطبقة العاملة وبرامجها هي التي تقود معركة التحرير.
يتبع..